سورة البقرة - تفسير تفسير المنتخب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)}
17- حال هؤلاء في نفاقهم كحال من أوقد ناراً لينتفع بها مع قومه، فلما أنارت ما حوله من الأشياء ذهب الله بنورهم وترك موقديها في ظلمات كثيفة لا يبصرون معها شيئاً، لأن الله قدَّم إليهم أسباب الهداية فلم يتمسكوا بها فصارت بصائرهم مطموسة، فاستحقوا أن يبقوا في الحيرة والضلال.
18- هؤلاء كالصُّمِّ، لأنهم قد فقدوا منفعة السمع، إذ لا يسمعون الحق سماع قبول واستجابة، وهم كالبُكْم الخُرس؛ لأنهم لا ينطقون بالهدى أو الحق، وهم كالذين فقدوا أبصارهم لأنهم لا ينتفعون بها في اعتبار أو انزجار، فهم لا يرجعون عن ضلالتهم.
19- أو حالهم في حيرتهم وشدة الأمر عليهم وعدم إدراكهم لما ينفعهم ويضرهم، كحال قوم نزل عليهم مطر من السماء ورعد وصواعق، يضعون أطراف أصابعهم في آذانهم كي لا يسمعوا أصوات الصواعق خائفين من الموت، زاعمين أن وضع الأصابع يمنعهم منه.
وهؤلاء إذا نزل القرآن- وفيه بيان لظلمات الكفر والوعيد عليه، وبيان الإيمان ونوره المتألق، وبيان النذر وألوان العذاب- أعرضوا عنه وحاولوا الخلاص منه زاعمين أن إعراضهم عنه سيعفيهم من العقاب ولكن الله عليم بالكافرين مسيطر عليهم من كل جهة بعلمه وقدرته.
20- إن هذا البرق الشديد يكاد يخطف منهم أبصارهم لشدته، وهو يضئ لهم الطريق حيناً فيسيرون خطوات مستعينين بضوئه، فإذا انقطع البرق واشتد الظلام يقفون متحيرين ضالين، وهؤلاء المنافقون تلوح لهم الدلائل والآيات فتبهرهم أضواؤها فيهمون أن يهتدوا، ولكنهم بعد قليل يعودون إلى الكفر والنفاق. إن الله واسع القدرة إذا أراد شيئاً فعله، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.


{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)}
21- يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي أنشأكم وخلقكم ونماكم كما خلق الذين سبقوكم، فهو خالق كل شيء، لعلكم بذلك تعدون أنفسكم وتهيئونها لتعظيم الله ومراقبته، فتتطهر بذلك نفوسكم وتذعن للحق، وتخاف سوء العاقبة.
22- إنه وحده هو الذي مهد لكم الأرض بقدرته، وبسط رقعتها ليسهل عليكم الإقامة فيها والانتفاع بها، وجعل ما فوقكم من السماء وأجرامها وكواكبها كالبنيان المشيد، وأمدكم بسبب الحياة والنعمة- وهو الماء- أنزله عليكم من السماء فجعله سبباً لإخراج النباتات والأشجار المثمرة التي رزقكم بفوائدها، فلا يصح مع هذا أن تتصوروا أن لله نظراء تعبدونهم كعبادته لأنه ليس له مثيل ولا شريك، وأنتم بفطرتكم الأصلية تعلمون أنه لا مثيل له ولا شريك، فلا تحرفوا هذه الطبيعة.
23- وإن كنتم في ريب من صدق هذا القرآن الذي تتابع إنزالنا له على عبدنا محمد، فحاولوا أن تأتوا بسورة مماثلة من سور هذا القرآن في بلاغتها وأحكامها وعلومها وسائر هدايتها، ونادوا الذين يشهدون لكم أنكم أتيتم بسورة مماثلة له فاستعينوا بهم ولن تجدوهم، وهؤلاء الشهداء هم غير الله، لأن الله يؤيد عبده بكتابه، ويشهد له بأفعاله، هذا إن كنتم صادقين في ارتيابكم في هذا القرآن.
24- فإن لم تستطيعوا الإتيان بسورة مماثلة لسور القرآن- ولن تستطيعوا ذلك بحال من الأحوال- لأنه فوق طاقة البشر، إذ القرآن كلام الخالق فالواجب عليكم أن تتجنبوا الأسباب التي تؤدى بكم إلى عذاب النار في الآخرة، التي سيكون وقودها وحطبها من الكافرين ومن الأصنام، ولقد هيئت هذه النار لتعذيب الجاحدين المعاندين.


{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)}
25- وإذا كان هذا عقاب الفجار الجاحدين، فالجنة مثوى المؤمنين، فأخبر الذين صدَّقوا بالله ورسوله وكتابه، وأذعنوا للحق دون شك أو ارتياب، وعملوا الأعمال الصالحة الطيبة- أخبرهم بخبر يسرهم ويشرح صدورهم، وهو أن الله أعد لهم عنده جنات مثمرة تتخللها الأنهار الجارية تحت أشجارها وقصورها، كلما رزقهم الله وهم في هذه الجنات- رزقاً من بعض ثمارها قالوا: إن هذا يشبه ما رزقنا من قبل، لأن هذه الثمرات التي ينالونها تشابه أفرادها في الصورة والجنس ولكنها تتمايز في الطعم واللذة، ولهم فيها أيضاً زوجات كاملات الطهارة ليس فيهن ما يعاب. وسيبقون في هذه الجنة في حياة أبدية لا يخرجون منها.
26- يضرب الله الأمثال للناس لبيان الحقائق العالية، ويضرب بصغائر الأحياء، وكبار الأشياء، وقد عاب من لا يؤمنون ضرب المثل بصغائر الأحياء كالذباب والعنكبوت، فبين الله سبحانه أنه لا يعتريه ما يعترى الناس من الاستحياء، فلا يمنع أن يصور لعباده ما يشاء من أمور بأى مثل مهما كان صغيراً، فيصح أن يجعل المثل بعوضة أو ما فوقها، والذين آمنوا يعلمون وجه التمثيل وأن هذا حق من الله، والذين كفروا يتلقونه بالاستنكار ويقولون: ما الذي أراده الله بهذا المثل؟ وأن هذا المثل يكون سبباً لإضلال الذين لا يطلبون الحق ولا يريدونه، ويكون سبباً لهداية المؤمنين بالحق الذي يطلبونه، فلا يُضَلُّ به إلا المنحرفين المتمردين.
27- الذين ينقضون عهد الله- وهم الذين لم يلتزموا عهد الله القوى الذي أنشأه في نفوسهم بمقتضى الفطرة موثقاً بالعقل المدرك ومؤيداً بالرسالة- ويقطعون ما أمر الله به أن يكون موصولاً كوصل ذوى الأرحام، والتواد والتعارف والتراحم بين بني الإنسان، ويفسدون في الأرض بسوء المعاملات وبإثارة الفتن وإيقاد الحروب وإفساد العمران، أولئك هم الذين يخسرون بإفسادهم فطرتهم وقطعهم ما بينهم وبين الناس ما يجب أن يكون من تواد وتعاطف وتراحم، ويكون مع ذلك لهم الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8